الموسوعة القرآنيّة - ج ٣

ابراهيم الأبياري

الموسوعة القرآنيّة - ج ٣

المؤلف:

ابراهيم الأبياري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة سجل العرب
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٤

خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ) آل عمران : ٥٩ ، ولم يقل : من طين ، كما أخبر به تعالى فى غير موضع ، ولقد عدل عن الطين الذى هو مجموع الماء والتراب إلى ذكر مجرد التراب لمعنى لطيف ، وذلك أنه أدنى العنصرين وأكثفهما ، لما كان المقصود مقابلة من ادعى فى المسيح الإلهية أتى بما يصغر أمر خلقه عند من ادعى ذلك ، فلهذا كان الإتيان بلفظ التراب أمس فى المعنى من غيره من العناصر.

(٨٢) المصحف :

١ ـ كتابته.

٢ ـ تجزئته.

١ ـ كتابته

مربك كيف كان الوحى يكتب ، وعلى أى شىء كان يكتب ، ثم من كانوا كتابه.

ومربك أيضا كيف جمعه أبو بكر وعمر ، ثم كيف كتب عثمان مصحفه الإمام ، وأرسل منه مصاحف أربعة إلى الأمصار : مكة والبصرة والكوفة والشام ، وأنه أبقى اثنين آخرين فى المدينة اختص نفسه بواحد منهما.

ومنذ أن دخلت هذه المصاحف الأمصار أقبل المسلمون ينسخونها ، ولقد نسخوا منها عددا كثيرا لا شك فى ذلك.

فنحن نقرأ للمسعودى وهو يتكلم على وقعة صفين ، التى كانت بين على ومعاوية ، وما أشار به عمرو بن العاص من رفع المصاحف ، حين أحس ظهور على عليه ، ورفع من عسكر معاوية نحو من خمسمائة مصحف.

وما نظن هذا العدد الذى رفع من المصاحف فى معسكر معاوية كان كل ما يملكه المسلمون حينذاك. والذى نظنه أنه كان بين أيدى المسلمين ما يربى على هذا العدد

(ـ ١١ ـ الموسوعة القرآنية ـ ج ٣)

١٦١

بكثير ، هذا ولم يكن قد مضى على كتابة عثمان لمصحفه الإمام ، وإرساله إلى الأمصار ، ما يزيد على سنين سبع.

والجديد الذى أحب أن أسوقه هنا نقلا عمن نظروا فى نشأة الخط العربى أن العرب كانوا قبيل الإسلام يكتبون بالخط الحيرى ـ نسبة إلى الحيرة ـ ثم سمى هذا الخط بعد الإسلام بالخط الكوفى.

وهذا الخط الكوفى فرع ـ كما يقولون ـ من الخط السريانى» وأنه على الأخص طور من أطوار قلم للسريان ، كانوا يسمونه : السطرنجيل ، وكان السريان يكتبون به الكتاب المقدس ، وعن السريان انتقل إلى العرب قبل الإسلام ، ثم كان منه الخط الكوفى ، كما ذكرت لك.

ولقد كان للعرب إلى جانب هذا القلم الكوفى قلم نبطى ، انتقل إليهم من حوران مع رحلاتهم إلى الشام ، وعاش العرب ولهم هذان القلمان : الكوفى والنبطى ، يستخدمون الكوفى لكتابة القرآن ، ويستخدمون النبطى فى شئون أخرى.

وبالخط الكوفى كان كتب المصاحف ، غير أنه كان أشكالا ، واستمر ذلك إلى القرن الخامس تقريبا ، ثم ظهر الخط الثلث ، وعاش من القرن الخامس إلى ما يقرب من القرن التاسع ، إلى أن ظهر القلم النسخ ، الذى هو أساس الخط العربى إلى اليوم.

فلقد كتب القرآن بالكوفى أيام الخلفاء الراشدين ، ثم أيام بنى أمية. وفى أيام بنى أمية صار هذا الخط الكوفى إلى أقلام أربعة. ويعزون هذا الشكل فى الأقلام إلى كاتب اسمه قطبة ، وكان كاتب أهل زمانه ، وكان يكتب لبنى أمية المصاحف.

وفى أوائل الدولة العباسية ظهر الضحاك بن عجلان ، ومن بعده إسحاق بن حماد ، فإذا هما يزيدان على قطبة ، وإذا الأقلام العربية تبلغ اثنى عشر قلما : قلم

١٦٢

الجليل ، قلم السجلات ، قلم الديباج ، قلم أسطور مار الكبير ، قلم الثلاثين ، قلم الزنبور ، قلم المفتتح ، قلم الحرم ، قلم المؤامرات ، قلم العهود ، قلم القصص ، قلم الحرفاج.

وحين ظهر الهاشميون حدث خط يسمى : العراقى ، وهو المحقن. ولم تزل الأقلام تزيد إلى أن انتهى الأمر إلى المأمون فأخذ كتابه بتجويد خطوطهم ، وظهر رجل يعرف بالأحول المحرر ، فتكلم على رسوم الخط وقوانينه وجعله أنواعا.

ثم ظهر قلم المرصع ، وقلم النساخ ، وقلم الرياسى ، نسبة إلى ذى الرئاستين الفضل بن سهل ، وقلم الرقاع ، وقلم غبار الحلبة.

فزادت الخطوط على عشرين شكلا ، ولكنها كلها من الكوفى ، حتى إذا ما ظهر ابن مقلة «٣٢٨ ه‍» نقل الخط من صورة القلم الكوفى إلى سورة القلم النسخى ، وجعله على قاعدة كانت أساسا لكتابة المصاحف.

وينقل المقرى عن ابن خليل السكونى أنه شاهد يجامع العديس بإشبيلية ربعة مصحف فى أسفار ينحى به لنحو خطوط الكوفة ، إلا أنه أحسن خطأ وأبينه وأبرعه وأتقنه ، وأن أبا الحسين بن الطفيل بن عظيمة قال له هذا خط ابن مقلة.

ثم يقول المقرى : وقد رأيت بالمدينة المنورة ، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام ، مصحفا بخط ياقوت المستعصمى.

ولقد كانت وفاة ياقوت هذا سنة ٦٩٨ ه‍ ، وكان سباقا فى هذا الميدان.

ويقول محمد بن إسحاق : أول من كتب المصاحف فى الصدر الأول ، ويوصف بحسن الخط : خالد بن أبى الهياج ، رأيت مصحفا بخطه ، وكان سعد نصبه لكتب المصاحف والشعر والأخبار للوليد بن عبد الملك ، وهو الذى كتب الكتاب الذى فى قبلة مسجد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالذهب ، من (وَالشَّمْسِ وَضُحاها) إلى آخر القرآن.

١٦٣

ويقال : إن عمر بن عبد العزيز قال له : أريد أن تكتب لى مصحفا على هذا المثال ، فكتب له مصحفا تنوق فيه ، وأقبل عمر يقلبه ويستحسنه واستكثر ثمنه فرده عليه.

ومالك بن دينار مولى أسامة بن لؤى بن غالب ، ويكنى أبا يحيى ، وكان يكتب المصاحف بأجر. ومات سنة ثلاثين ومائتين.

ثم أورد ابن إسحاق نفرا من كتاب المصاحف بالخط الكوفى وبالخط المحقق المشق ، وقد رآهم جميعا.

والذى لا شك فيه أن هذه الأقلام المختلفة تبارت فى كتابة المصحف ، كما كتب بأقلام غير هذه ذكر منها الكردى فى كتابه «تاريخ الخط العربى» قلمين ، هما : سياقت ، وشكسته وأورد لهما نماذج ، فارجع إليها إن شئت.

وظلت المصاحف على هذه الحال إلى أن ظهرت المطابع سنة ١٤٣١ م ، وكان أول مصحف طبع بالخط العربى فى مدينة همبرج بألمانيا ، ثم فى البندقية فى القرن السادس عشر الميلادى.

وحين أخذت المطابع تشيع كثر طبع المصحف ، إذ هو كتاب المسلمين الأول وعليه اعتمادهم ومعتمدهم.

٢ ـ تجزئته

ولقد سقنا لك الحديث عن عدد سور القرآن وعدد كلماته وعدد حروفه. وما نظن هذا كله بدأ مع السنين الأولى أيام كان المسلمون مشغولين بجمع القرآن وتدوينه ، عهد أبى بكر وعمر ثم عهد عثمان ، وما نظنه إلا تخلف زمنا بعد هذا إلى أيام الحجاج.

ولقد كان المسلمون والوحى لا يزال متصلا يختصون يومهم بنصيب من القرآن يخلون إلى أنفسهم ساعة من يومهم هذا يتلون فيها ما تيسر ، بفرض كل منهم على

١٦٤

نفسه جزءا بعينه ، وإلى هذا يشير ما روى عن المغيرة بن شعبة قال : استأذن رجل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو بين مكة والمدينة ، فقال : إنه قد فاتنى الليلة جزئى من القرآن ، فإنى لا أوثر عليه شيئا.

وما نشك فى أن هذه التجزئة كانت فردية ، أى إن مرجعها كان لكل فرد على حدة ، ونكاد نذهب إلى أنها لم تكن على التساوى.

وهذه التجزئة التى أخذ فيها المسلمون مبكرين ليجعلوا للقرآن حظّا من ساعات يومهم ، حتى لا يغيبوا عنه فيغيب عنهم ، وحتى ييسروا على أنفسهم ليمضوا فيه إلى آخره ، أسبوعا بعد أسبوع ، أو شهرا بعد شهر ، هذه التجزئة الأولى غير المضبوطة ، هى التى أملت على المسلمين بعد فى أن يأخذوا فى تجزئة القرآن تجزئة تخضع لمعايير مضبوطة ، ولم يكن عليهم ضير فى أن يفعلوا.

عند هذه ، وبعد أن استوى المصحف بين أيديهم ، مكتوبا ، كان عد السور وعد الكلمات وعد الآيات. لا يدفع هذا أن المسلمين الأول أيام الرسول كانوا بعيدين البعد كله عن هذا كله ، بل إن ما نعنيه هو الإحصاء المستوعب الشامل ، وأما غيره فما نظننا ننكره على المسلمين الأول ، من ذلك ما روى عن ابن مسعود أنه قال : أقرأنى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سورة من الثلاثين من آل حم ، يعنى الأحقاف.

وأزيدك بعد هذا شيئا أنقله لك عن السيوطى ، لتشاركنى رأيى ، قال السيوطى : كانت السورة إذا كانت أكثر من ثلاثين آية سميت الثلاثين.

وأرانى قد ذكرت لك فى بدء هذا الحديث أن هذا الاستيعاب الشامل لم يكن إلا مع أيام الحجاج ، وأحب أن أسوق إليك دليلى عليه :

يروى أبو بكر بن أبى دواد ، يقول : جمع الحجاج بن يوسف الحفاظ والقراء ـ ويقول أبو بكر : وكنت منهم ـ فقال الحجاج : أخبرونى عن القرآن كله كم هو

١٦٥

من حرف؟ قال : أبو بكر : فجعلنا نحسب حتى أجمعوا أن القرآن ثلاثمائة ألف حرف وأربعين ألفا وسبعمائة ونيف وأربعين حرفا. قال الحجاج : فأخبرونى إلى أى حرف ينتهى نصف القرآن. فحسبوا فأجمعوا أنه ينتهى فى الكهف (وَلْيَتَلَطَّفْ) الآية : ١٩ ـ فى الفاء : قالى الحجاج : فأخبرونى بأسباعه على الحروف. قال أبو بكر : فإذا أول سبع فى النساء (فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ) ـ الآية : ٥٥ ـ فى الدال والسبع الثانى فى الأعراف (حَبِطَتْ) ـ الآية : ١٤٧ ـ فى التاء ، والسبع الثالث فى الرعد «أكلها دائم» ـ الآية : ٣٥ ـ فى الألف آخر «أكلها» الآية : ٣٢ والسبع الرابع فى الحج (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً) ـ الآية : ٣٤ ـ فى الألف ، والسبع الخامس فى الأحزاب (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ) ـ الآية ٣٦ ـ فى الهاء أو السبع السادس فى الفتح (الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ) ـ الآية ٦ ـ فى الواو. والسابع ما بقى من القرآن. قال الحجاج : فأخبرونى بأثلاثه؟ قالوا : الثلث الأول رأس مائة من براءة. والثلث الثانى رأس إحدى ومائة آية من طسم الشعراء. والثلث الثالث ما بقى من القرآن. ثم سألهم الحجاج عن أرباعه ، فإذا أول ربع خاتمة الأنعام ، والربع الثانى الكهف (وَلْيَتَلَطَّفْ) ـ الآية : ١٩ ـ والربع الثالث خاتمة الزمر ، والربع الرابع ما بقى من القرآن.

كانت هذه نظرة الحجاج مع القراء والحفاظ ، وكانت تجزئته للقرآن وفق عدد حروفه. ولقد رأيناه كيف جزأه نصفين ، ثم أسباعا ، ثم أثلاثا ، ثم أرباعا.

وما نظن الحجاج كان يستعمل فى هذه التجزئة إلا عن تفكير فى التيسير ، فجعله نصفين على القارئ المجد ، ثم أثلاثا على اللاحق ، ثم أرباعا على من يتلو اللاحق ، ثم أسباعا على من يريد أن يتمه فى أسبوع ، وكانت تلك هى النهاية التى أحبها الحجاج للمسلمين ، وكأنه لم يحب لهم أن يتجاوزوها ، لذلك لم يمض مع القراء

١٦٦

والحفاظ يسألهم عما بعدها. ونحن نعلم أن الحجاج كان يقرأ القرآن كله فى كل ليلة.

وحين نظر الحجاج فى القرآن يجزئه هذه التجزئة التى تحدها الحروف ، بدأ غيره من بعده ينظرون فى تجزئة القرآن تجزئة تمليها الآيات ، فقسموه أنصافا وأثلاثا وأرباعا وأخماسا وأسداسا وأسباعا وأثمانا وأتساعا وأعشارا.

وما نظن هؤلاء الذين جاءوا فى إثر الحجاج بهذه التجزئة ، التى تخالف تجزئة الحجاج ، كانوا يستملون إلا عن مثل ما استملى الحجاج عنه ، وهو التيسير ، ثم الإرخاء فى هذا التيسير ، ثم تخصيص كل يوم بنصيب لا يزيد ولا ينقص ، وكان أقصى ما أرادوه لكل مسلم أن يتم قراءة القرآن فى أيام لا تعدو العشرة.

ولقد مر بك قبل عند الكلام على عد آيات القرآن ما كان من خلاف يسير علمت سببه ، وأحبك أن تعلم أن هذا الخلاف اليسير فى عد الآيات جر إلى خلاف يسير فى هذه التجزئة.

وإذ كانت فكرة الحجاج ، وفكرة من جاء بعد الحجاج ، فى تجزئة القرآن ، هى التيسير على التالى ـ كما أرى ـ وكان الحجاج متشددا ، متشددا على نفسه أولا ، كما رأيت ، فلم يتجاوز فى تيسيره إلى غير سبعة أيام ، ولكن من جاءوا بعد الحجاج لم يكونوا على تشدد الحجاج فأرخوا شيئا فى التيسير وزادوها إلى عشرة.

وما وقف التيسير عند هذا الحد الذى انتهى إليه من جاءوا فى إثر الحجاج ، بل نرى الميسرين أرخوا للقارئين إلى أن بلغوا بهم الثلاثين ، فإذا القرآن يجزأ إلى ثلاثين جزءا.

غير أن هذه المراحل التى جاءت بعد الحجاج لم تتم فى يوم وليلة ، بل امتدت بامتداد الأيام ، ولقد كانت وفاة الحجاج فى العام الخامس والتسعين من الهجرة ، ونرى السجستانى يروى أخباره ، فى تجزئة القرآن تلك التجزئة الثانية ، عن رواة

١٦٧

تنحصر وفاتهم فى القرن الثانى للهجرة ، ثم نرى ابن النديم وهو يتكلم عن الكتب المؤلفة فى أجزاء القرآن يذكر لنا :

١ ـ كتاب أسباع القرآن لحمزة بن حبيب بن عمّارة الزيات. ولقد كانت وفاة حمزة سنة ١٥٨ ه‍.

٢ ـ كتاب أجزاء ثلاثين ، عن أبى بكر بن عياش ، ولقد كانت وفاة أبى بكر بن عياش سنة ١٩٣ ه‍.

وما يعنينا الكتاب الأول ، فلقد علمنا أن تجزئة القرآن أسباعا ، كانت على يد الحجاج حروفا ، وقد تكون على يد حمزة آيات ، أقول : لا تعنينى هذه ولكن تعنينى الثانية ، فهى تدلنا على أن تجزئة القرآن إلى ثلاثين جزءا ، وهى التجزئة التى عليها مصاحفنا اليوم ، تجزئة قديمة انتهت إلى أبى بكر ، بهذا يشعرنا أسلوب ابن النديم ، إذ لم يعز الكتاب لأبى بكر ، وإنما قال : عن أبى بكر.

إذن فتجزئة القرآن ثلاثين جزءا لم تغب عن القرن الثانى الهجرى ، ولا يبعد أن تكون دون منتهاه بكثير ، فلقد كان مولد أبى بكر سنة ست وتسعين من الهجرة ، والرجل يصلح للتلقى والرواية مع الخامسة والعشرين من عمره ، أى إن أبا بكر كان رجل رواية وتلق مع العام العشرين بعد المائة الأولى من الهجرة.

وهذه التجزئة الأخيرة ، أعنى تجزئة القرآن ثلاثين جزءا ، هى التجزئة التى غلبت وعاشت ، ولعل ما ساعد على غلبتها يسرها ثم ارتباطها بعدد أيام الشهر ، ونحن نعلم كم تجد هذه التجزئة إقبالا عظيما فى شهر رمضان من كل عام.

وما نظن الذين جزءوا انتهوا إلى هذه التجزئة الأخيرة فى مرحلة واحدة ، متجاوزين التجزئة العشرية إلى التجزئة الثلاثينية ، والذى نقطع به أنه كانت ثمة تجزئات بين هاتين المرحلتين لا ندرى تدرجها ، ولكن يعنينا أن نقيد أن ثمة تجزئة تقع فى عشرين جزءا ، تحتفظ بها مكتبة دار الكتب.

وبهذه التجزئة ـ أى إلى ثلاثين جزءا ـ أصبح القرآن يعرض أجزاء منفصلة كل جزء على حدة ، وأصبحنا نراه فى المساجد ، لا سيما فى شهر رمضان

١٦٨

محفوظا فى صناديق بأجزائه الثلاثين ، كل مجموعة فى صندوق ، يقدمه الراغبون فى الثواب إلى الوافدين إلى المساجد ، رغبة فى تلاوة نصيب من القرآن.

وأصبح يطلق على هذه الأجزاء الثلاثين اسم ربعة. والربعة فى اللغة : الصندوق ، أو الوعاء من جلد. ولعل تسمية الأجزاء الثلاثين بهذا الاسم جاءت من إطلاق المحل على الحال فيه.

ولكن هذا التيسير الأخير جر إلى تيسير آخر يتصل به ، وما نشك فى أن الدافع إليه كان التيسير على الحافظين ، بعد أن كان التيسير على القارئين ، وفرق بين أن تيسر على قارئ وبين أن تيسر على حافظ.

من أجل هذه فيما نظن كان تقسيم الأجزاء المتمة الثلاثين إلى أحزاب ، كل جزء ينقسم إلى حزبين ، ثم تقسيم الحزب إلى أرباع ، كل حزب ينقسم إلى أربعة أرباع.

وعلى هذا التقسيم الأخيرة طبعت المصاحف ، واعتمد هذا التقسيم على الجانب الراجح بين القراء فى عدد الآيات ، فأنت تعلم هذا الخلاف الذى بينهم.

فالمدنيون الأول يعدون آيات القرآن ٦٠٠٠

والمدنيون المتأخرون يعدون آيات القرآن ٦١٢٤

والمكيون المتأخرون يعدون آيات القرآن ٦٢١٩

والكوفيون يعدون آيات القرآن ٦٢٦٣

والبصريون يعدون آيات القرآن ٦٢٠٤

والشاميون يعدون آيات القرآن ٦٢٢٥

وفى هذا الخلاف كان ثمة ترجيح ثمة اتفاق وثمة تغليب. وقد انبرى لهذه السفاقسى فى كتابه غيث النفع. ولقد اعتمد السفاقسى على رجلين سبقاه فى هذه الصناعة ، هما أبو العباس أحمد بن محمد بن أبى القسطلانى فى كتابه «لطائف الإشارات فى علم

١٦٩

القراءات» والقادرى محمد ، وكتابه «مسعف المقرئين ومعين المشتغلين بمعرفة الوقف والابتداء» ، وانتهى إلى الرأى الراجح أو المتفق عليه ، وبهذا أخذ الذين أشرفوا على طبع المصحف طبعته الأخيرة فى مصر ، وخرج المصحف يحمل الإشارات الجانبية الدالة على مكان الأجزاء والأحزاب وأرباع الأحزاب.

* * *

(٨٣) المقابلة :

وهى ذكر الشيء مع ما يوازيه فى بعض صفاته ويخالفه فى بعضها ، وهى أنواع :

١ ـ نظيرى ، كقوله تعالى : (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) البقرة : ٢٥٥ ، فهما جميعا من باب الرقاد المقابل باليقظة.

٢ ـ نقيضى ، كقوله تعالى : (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ) الكهف : ١٨.

٣ ـ خلاقى ، كقوله تعالى : (وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً) الجن : ١٠.

* * *

(٨٤) المكرر :

والحكمة فيه أنه يحدث سبب من سؤال أو حادثة تقتضى نزول آية ، وقد نزل قبل ذلك ما يتضمنها ، فتؤدى تلك الآية بعينها إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم تذكيرا لهم بها ، وبأنها تتضمن هذه ، ولقد ثبت فى الصحيحين عن أبى عثمان النهدى عن ابن مسعود أن رجلا أصاب من امرأة قبلة ، فأتى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبره ، فأنزل الله تعالى : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) هود : ١١٤ ، فقال الرجل : ألى هذا؟ فقال : بل لجميع أمتى. فهذا كان فى المدينة ، وقد ذكر التّرمذى أن الرجل هو أبو اليسر ، وسورة هود

١٧٠

مكية بالاتفاق ، وقد أشكل على بعضهم هذا ، ولا إشكال لأنها نزلت مرة بعد مرة.

ومثله فى الصحيحين عن ابن مسعود فى قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ) الإسراء : ٨٥ ، إنها نزلت لما سأله اليهود عن الروح وهو فى المدينة ، ومعلوم أن هذه فى سورة الإسراء ، وهى مكية بالاتفاق ، فإن المشركين لما سألوه عن ذى القرنين ، وعن أهل الكهف ، قيل ذلك بمكة ، وأن اليهود أمروهم أن يسألوه عن ذلك ، فأنزل الله الجواب.

وكذلك ما ورد فى (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) الإخلاص ، أنها جواب للمشركين بمكة ، وأنها جواب لأهل الكتاب بالمدينة.

وكذلك ما ورد فى الصحيحين من حديث المسيب : لما حضرت أبا طالب الوفاة ، وتلكأ عن الشهادة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : والله لأستغفرن لك ما لم أنه. فأنزل الله تعالى : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى) التوبة : ١١٣ ، وأنزل الله فى أبى طالب : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) القصص : ٥٦ ، وهذه الآية نزلت فى آخر الأمر بالاتفاق ، وموت أبى طالب كان بمكة ، فيمكن أنها نزلت مرة بعد أخرى ، وجعلت أخيرا فى براءة.

وقد ينزل الشيء مرتين تعظيما لشأنه ، وتذكيرا به عند حدوث سببه ، خوف نسيانه ، وهذا كما قيل فى الفاتحة ، نزلت مرتين ، مرة بمكة ، وأخرى بالمدينة.

ولعل ما يذكره المفسرون من أسباب متعددة لنزول الآية ، من هذا الباب ، لا سيما أن المعروف عن الصحابة والتابعين أن أحدهم إذا قال : نزلت هذه الآية فى كذا ، فإنه يريد بذلك أن هذه الآية تتضمن هذا الحكم ، لا أن هذا كان السبب فى نزولها.

وقد يكون النزول سابقا على الحكم ، وهذا كقوله تعالى : (لا أُقْسِمُ بِهذَا

١٧١

الْبَلَدِ. وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ) البلد : ١ ، ٢ ، فالسورة مكية ، وظهر أثر الحل يوم فتح مكة ، حتى قال عليه‌السلام : أحلت إلى ساعة من نهار.

كذلك نزل بمكة : (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) القمر : ٤٥ ، يقول عمر : كنت لا أرى أى الجمع يهزم ، فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول سيهزم الجمع ويولون الدبر.

* * *

(٨٥) المكى والمدنى :

للناس فى ذلك أقوال ، تجملها فيما يلى :

١ ـ أن المكى ما نزل بمكة ، والمدنى ما نزل بالمدينة.

٢ ـ أن المكى ما نزل قبل الهجرة ، والمدنى ما نزل بعد الهجرة ، وإن كان بمكة.

٣ ـ أن المكى ما وقع خطابا لأهل مكة ، والمدنى ما وقع خطابا لأهل المدينة ، وإذ كان الغالب على أهل مكة الكفر فخوطبوا ب «يأيّها النّاس» ، وإن كان غيرهم داخلا فيهم ، وإذ كان الغالب على أهل المدينة الإيمان فخوطبوا ب «يأيّها الّذين آمنوا» وإن كان غيرهم داخلا فيهم.

وهذا القول إن أخذ على إطلاقه ففيه نظر :

فإن سورة البقرة مدنية ، وفيها : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) الآية : ٢١ ، ومنها : (يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً) الآية : ١٦٨.

وسورة النساء مدنية ، وفيها : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ) الآية : ١ ، وفيها : (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ) الآية : ١٣٣.

وسورة الحج مكية ، وفيها : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا) الآية : ٧٧.

فإن أراد المفسرون أن الغالب ذلك ، فهو صحيح.

٤ ـ وقيل : كل سورة ذكرت فيها الحدود والفرائض فهى مدنية ، وكل ما كان فيه ذكر القرون الماضية فهى مكية.

١٧٢

(٥) وقيل : ما نزل بمكة ، وما نزل فى طريق المدينة ، قبل أن يبلغ النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة ، فهو من المكى ، وما نزل على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد ما قدم المدينة فهو من المدنى.

(٦) وقيل : لمعرفة المكى والمدنى طريقان :

أ ـ سماعى ، وهو ما وصل إلينا نزوله.

ب ـ قياسي ، ومرده إلى أن كل سورة فيها (يا أَيُّهَا النَّاسُ) فقط ، أو «كلا» ، أو أولها حرف تهج ، سوى الزهراوين ، وهما البقرة وآل عمران ، والرعد فى وجه ، أو فيها قصة آدم وإبليس ، سوى الطولى ، وهى سورة البقرة ، فهى مكية ، وإلى أن كل سورة فيها قصص الأنبياء والأمم الخالية فهى مكية ، وإلى أن كل سورة فيها فريضة أو حد فهى مدنية.

وهذا بيان ما نزل من القرآن بمكة مرتبا :

١ ـ اقرأ باسم ربك

 ٢ ـ ن. والقلم

٣ ـ يأيها المزمل

 ٤ ـ يأيها المدثر

٥ ـ تبت يدا أبى لهب

 ٦ ـ إذا الشمس كورت

٧ ـ سبح اسم ربك الأعلى

 ٨ ـ والليل إذا يغشى

٩ ـ والفجر

 ١٠ ـ والضحى

١١ ـ ألم نشرح

 ١٢ ـ والعصر

 ١٣ ـ والعاديات

 ١٤ ـ إنا أعطيناك الكوثر

١٥ ـ ألهاكم التكاثر

 ١٦ ـ أرأيت الذى

١٧ ـ يأيها الكافرون

 ١٨ ـ سورة الفيل

 ١٩ ـ سورة الفلق

 ٢٠ ـ سورة الناس

٢١ ـ قل هو الله أحد

 ٢٢ ـ والنجم إذا هوى

١٧٣

٢٣ ـ عبس وتولى

 ٢٤ ـ إنا أنزلناه

٢٥ ـ والشمس وضحاها

 ٢٦ ـ والسماء ذات البروج

٢٧ ـ والتين والزيتون

 ٢٨ ـ لإيلاف قريش

٢٩ ـ القارعة

 ٣٠ ـ لا أقسم بيوم القيامة

٣١ ـ سورة الهمزة

 ٣٢ ـ سورة المرسلات

٣٣ ـ ق والقرآن

 ٣٤ ـ لا أقسم بهذا البلد

٣٥ ـ الطارق

 ٣٦ ـ اقتربت الساعة

٣٧ ـ ص والقرآن

 ٣٨ ـ سورة الأعراف

٣٩ ـ سورة الجن

 ٤٠ ـ يس

٤١ ـ سورة الفرقان

٤٣ ـ سورة مريم

 ٤٤ ـ سورة طه

٤٥ ـ سورة الواقعة

 ٤٦ ـ سورة الشعراء

٤٧ ـ سورة النمل

 ٤٨ ـ سورة القصص

٤٩ ـ سورة بنى إسرائيل

 ٥٠ ـ سورة يونس

٥١ ـ سورة هود

 ٥٢ ـ سورة يوسف

٥٣ ـ سورة الحجر

 ٥٤ ـ سورة الأنعام

٥٥ ـ سورة الصافات

 ٥٦ ـ سورة لقمان

٥٧ ـ سورة سبأ

 ٥٨ ـ سورة الزمر

٥٩ ـ حم المؤمن

 ٦٠ ـ حم السجدة

٦١ ـ حم عسق

 ٦٢ ـ حم الزخرف

٦٣ ـ حم الدخان

 ٦٤ ـ حم الجاثية

٦٥ ـ حم الأحقاف

 ٦٦ ـ الذاريات

٦٧ ـ سورة الغاشية

 ٦٨ ـ سورة الكهف

١٧٤

٦٩ ـ سورة النحل

٧٠ ـ سورة نوح

٧١ ـ سورة إبراهيم

٧٢ ـ سورة الأنبياء

٧٣ ـ سورة المؤمنون

٧٤ ـ الم تنزيل

٧٥ ـ والطور

٧٦ ـ سورة الملك

٧٧ ـ الحاقة

٧٨ ـ سأل سائل

٧٩ ـ عم يتساءلون

٨٠ ـ والنازعات

٨١ ـ إذا السماء انفطرت

٨٢ ـ إذا السماء انشقت

٨٣ ـ سورة الروم.

واختلفوا فى آخر ما نزل بمكة ، فقيل : العنكبوت ، وقيل : المؤمنون ، وقيل :

ويل للمطففين.

فهذا ترتيب ما نزل من القرآن بمكة ، وعليه استقرت الرواية من الثقات ، وهى خمس وثمانون سورة.

وهذا ترتيب ما نزل بالمدينة ، وهو تسع وعشرون سورة :

فأول ما نزل فيها : سورة البقرة ، ثم الأنفال ، ثم آل عمران ، ثم الأحزاب ، ثم محمد ، ثم الممتحنة ، ثم النساء ، ثم إذا زلزلت الأرض ، ثم الحديد ، ثم الرعد ، ثم الرحمن ، ثم هل أتى ، ثم الطلاق ، ثم لم يكن ، ثم الحشر ، ثم إذا جاء نصر الله ، ثم النور ، ثم الحج ، ثم المنافقون ، ثم المجادلة ، ثم الحجرات ، ثم يا أيها النبى لم تحرم ، ثم الصف ، ثم الجمعة ، ثم التغابن ، ثم الفتح ، ثم التوبة ، ثم المائدة.

ومنهم من يقدم المائدة على التوبة ..

وأما ما اختلفوا فيه :

ففاتحة الكتاب ، قيل : إنها مكية ، وقيل : إنها مدنية.

(وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) قيل : إنها مدنية ، وقيل هى آخر ما نزل بمكة.

١٧٥

ما نزل بمكة وحكمه مدنى :

١ ـ (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ ..) الحجرات : ١٣ ، وكان نزولها بمكة يوم فتحها ، وهى مدنية لأنها نزلت بعد الهجرة.

٢ ـ (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ. الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ).

المائدة : ٣ ـ ٥ ، فإنها نزلت يوم الجمعة والناس وقوف بعرفات ، وهى مدنية لنزولها بعد الهجرة.

ما نزل بالمدينة وحكمه مكى ، منه :

١ ـ الممتحنة إلى آخرها ، فهى خطاب لأهل مكة.

٢ ـ (وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا ...) النحل : ٤١ ، إلى آخر السورة ، فهى مدنيات ، يخاطب أهل مكة.

٣ ـ سورة الرعد ، يخاطب بها أهل مكة ، وهى مدنية.

٤ ـ من أول براءة إلى قوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) الآية : ٢٨ ، خطاب لمشركى مكة ، وهى مدنية.

١٧٦

ما نزل بالحجفة ، وهى قرية على طريق المدينة على أربع مراحل من مكة :

١ ـ (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ) القصص : ٨٥ ، نزلت بالحجفة والنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم مهاجر.

ما نزل ببيت المقدس :

١ ـ (وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ) الزخرف : ٤٥ ، نزلت عليه ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ليلة أسرى به.

ما نزل بالطائف :

١ ـ (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ ...) الفرقان : ٤٥.

٢ ـ (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ. وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ. فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) الانشقاق ٢٢ ـ ٢٤ ، يعنى كفار مكة.

ما نزل بالحديبية :

١ ـ (وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ) الرعد : ٣٠ ، نزلت بالحديبية ، حين صالح النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أهل مكة.

ما نزل ليلا :

١ ـ (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) الحج : ١ ، نزلت ليلا فى غزوة بنى المصطلق ، وهم حى من خزاعة والناس يسيرون.

٢ ـ (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) المائدة : ٦٧ ، نزلت فى بعض غزواته صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وذلك أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يحرس كل ليلة ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى خيمة من أدم ، فباتوا على باب الخيمة ، فلما أن كان بعد هزيع من الليل أنزل الله عليه الآية ، فأخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رأسه من الخيمة فقال : يا أيها الناس ، انصرفوا فقد عصمنى الله.

(ـ ٢ ـ الموسوعة القرآنية ـ ج ٣)

١٧٧

٢ ـ (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ...) القصص : ٥٦ ، قالت عائشة ، رضى الله عنها : نزلت هذه الآية على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأنا معه فى اللحاف.

ما حمل من مكة إلى المدينة :

١ ـ سورة يوسف ، وهى أول سورة حملت من مكة إلى المدينة ، انطلق بها عوف بن عفراء فى الثمانية الذين قدموا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكة ، فعرض عليهم الإسلام فأسلموا.

٢ ـ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) الإخلاص ، إلى آخرها ، حملت إلى المدينة بعد سورة يوسف.

٣ ـ (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) الأعراف : ١٥٨ ، حملت بعد التى قبلها إلى المدينة ، فأسلم عليها طوائف من أهل المدينة.

ما حمل من المدينة إلى مكة :

١ ـ (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ ...) البقرة ٢١٧ ، وكان عبد الله ابن جحش أورد كتاب مسلمى مكة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأن المشركين عيروهم قتل ابن الحضرمى وأخذ أموال الأسارى فى الشهر الحرام.

٢ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا) البقرة : ٢٧٨ ، حملت من المدينة إلى مكة ، وقرأها عتاب بن أسيد ، عامل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على مكة ، فقرأها عتابا على ثقيف وبنى المغيرة.

ما حمل من المدينة إلى الحبشة ست آيات :

بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى جعفر بن أبى طالب فى خصومة

١٧٨

الرهبان والقسيسين : (يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ) آل عمران : ٦٤ ، فقرأها جعفر بن أبى طالب عليهم عند النجاشى ، فلما بلغ قوله : (ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا) آل عمران : ٦٧ ، قال النجاشى : صدقوا ، ما كانت اليهودية والنصرانية إلا من بعده ، ثم قرأ جعفر : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ ...) آل عمران : ٦٨ ، قال النجاشى : اللهم إنى ولى لأولياء إبراهيم.

وإذا شئت مزيدا من الحصر فعدد آيات السور المدنية ثلاث وعشرون وستمائة وألف آية (١٦٢٣) وعدد آيات السور المكية ثلاث عشرة وستمائة وأربعة آلاف آية (١٦٢٣) ، فيكون مجموع آيات القرآن ، مدنية ومكية ، ستّا وثلاثين ومائتين وستة آلاف (٦٢٣٦).

* * *

(٨٦) المناسبات بين الآيات ، (وانظر الآية):

علم من علوم القرآن تعرف به لم جعلت هذه الآية إلى جنب هذه؟ كما تعرف الحكمة فى جعل هذه السورة إلى جنب هذه السورة ، فالمصحف مرتبة سورة كلها وآياته بالتوقيف على الأرجح.

والآيات الكريمة إما أن تكون ثانيتهما مكملة لسابقتها ، لتعلق الكلام بعضه ببعض وعدم تمامه بالأولى ، أو أن تكون الثانية للأولى على جهة التأكيد والتفسير ، أو الاعتراض والتشديد ، وهذا القسم ظاهر الارتباط فيه.

وأما أن تظهر كل جملة مستقلة عن الأخرى ، وأنها خلاف النوع المبدوء به ، وهذا القسم ما يعنى به علم المناسبات بين الآيات.

وهذه الجملة التى تبدو مستقلة إما أن تكون :

(ا) معطوفة على ما قبلها بحرف من حروف العطف المشترك فى الحكم أولا ، فإذا كانت معطوفة :

١٧٩

كان لا بد بينهما من جهة جامعة ، كقوله تعالى : (يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها) الحديد : ٤ ، وقوله تعالى : (وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) البقرة : ٢٤٥.

وفائدة العطف هنا جعلهما كالنظيرين والشريكين.

وقد تكون العلاقة بينهما المضادة ، وهذا كذكر الرحمة بعد ذكر العذاب ، والرغبة بعد الرهبة ، والقرآن إذا ذكر أحكاما ذكر بعدها وعدا ووعيدا ، ليكون ذلك باعثا على العمل بما سبق ، ثم يذكر آيات التوحيد والتنزيه ، ليعلمهم عظم الآمر والناهى.

وهذا ارتباط بين الجمل المستقلة قد يظهر تارة ، كما فيما سبق ، وقد يخفى أخرى فيحتاج إلى تدبر.

ومن هذا القسم الخفى :

(١) قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها ...) البقرة : ١٨٩.

فقد يقال : أى رابط بين أحكام الأهلة وبين حكم إتيان البيوت من ظهورها؟ والجواب من وجوه :

أحدها : كأنه قيل لهم عند سؤالهم عن الحكمة فى تمام الأهلة ونقصانها : معلوم أن كل ما يفعله الله فيه حكمة ظاهرة ومصلحة لعباده ، فدعوا السؤال عنه وانظروها فى واحدة تفعلونها أنتم مما ليس من البر فى شىء وأنتم تحسبونها برّا.

الثانى : إنه من باب الاستطراد ، فلما ذكر تعالى أنها مواقيت للحج ، وكان هذا من أفعالهم فى الحج ، ففي الحديث أن ناسا من الأنصار كانوا إذا أحرموا لم يدخل أحد منهم حائطا ولا دارا ولا فسطاطا من باب ، فإن كان من أهل المدر نضب نقبا فى ظهر بيته منه يدخل ويخرج ، أو يتخذ سلما يصعد به ، وإن كان

١٨٠